فن الرسم بالفحم، فن قديم بتعبير حديث

فن الرسم بالفحم، فن قديم بتعبير حديث
الرسم بالفحم

 

الرسم بالفحم: تاريخه، تقنياته، وتأثيره في عالم الفن


الرسم بالفحم من أقدم وأكثر التقنيات الفنية تعبيراً، حيث يجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحد. يعود استخدام الفحم في الرسم إلى العصور القديمة، عندما اكتشف الإنسان أن المادة السوداء التي تنتج عند حرق الخشب قابلة للاستخدام في التعبير الفني. 

اليوم، لا يزال الفحم يحتفظ بمكانته بين المواد الفنية بسبب مرونته وقدرته على خلق تدرجات لونية مذهلة. في هذه المقالة، سنستعرض تاريخ الرسم بالفحم، أنواعه، أدواته، التقنيات المستخدمة، وأمثلة لفنانين متميزين في هذا المجال.


 .1تاريخ الرسم بالفحم: من البدائية إلى الحاضر

بدأ استخدام الفحم في الرسم مع اكتشاف الإنسان القديم للنار، حيث لاحظ أن احتراق الخشب يترك خلفه مادة سوداء يمكن استخدامها للرسم على الجدران أو الأحجار كما استخدم النقش. استُخدم الفحم النباتي في رسم الخرائط البدائية والرسومات التعبيرية التي تعكس الحياة اليومية للجماعات البشرية. 

مع تطور الحضارات، أصبح الفحم أداة أساسية للفنانين، خاصة في عصر النهضة الأوروبية، حيث استُخدم لرسم الاسكتشات "الخطوط المرجعية" التحضيرية للوحات الزيتية الكبيرة.

 في العصر الحديث، تطورت تقنيات الرسم بالفحم لتصبح فناً قائماً بذاته، وليس مجرد أداة مساعدة. فنانون عرب عالميون مثل "الياس عبد اللطيف" من سوريا، استخدموا الفحم لإنجاز لوحات واقعية وتعبيرية تعكس مشاهد إنسانية وطبيعية معقدة، مما يؤكد قدرة هذه المادة على نقل التفاصيل الدقيقة والعواطف الجياشة.


أنواع الفحم المستخدمة في الرسم
أنواع الفحم المستخدم في الرسم


 .2أنواع الفحم المستخدمة في الرسم

ينقسم الفحم المستخدم في الرسم إلى نوعين رئيسيين:

- الفحم النباتي (الطبيعي):

يُصنع من حرق أغصان أشجار مثل الصفصاف دون أكسجين، مما ينتج عنه قطع فحمية هشة تتيح تدرجات لونية واسعة من الأسود الغامق إلى الرمادي الفاتح. يتميز بسهولة المحو والتعديل، مما يجعله مثاليًا للمبتدئين.

 - الفحم الصناعي (المضغوط):

 يُنتج عن طريق ضغط مسحوق الفحم مع مواد لاصقة، مما يجعله أكثر صلابة وثباتاً على الورق. يُستخدم للتفاصيل الدقيقة والخطوط الحادة، لكنه أقل مرونة في التظليل مقارنة بالفحم الطبيعي.

تختلف أنواع الأقلام المستخدمة أيضًا، مثل أقلام الخشب، والأقلام الإسطوانية، والمربعة، والتي تتناسب مع احتياجات الفنانين المختلفة.


 .3الأدوات الأساسية للرسم بالفحم

لا تقتصر أدوات الرسم بالفحم على القطعة الفحمية نفسها، بل تشمل مجموعة من العناصر المساعدة:

-☝ الورق السميك: يُفضل استخدام ورق خاص ذو سطح خشن لالتقاط جزيئات الفحم ومنع التلف عند المسح.

-الممحاة: تُستخدم أنواع مختلفة مثل الممحاة العجينة لتنعيم التظليل، والممحاة الدقيقة لإزالة التفاصيل الصغيرة

👌-أدوات التثبيت: مثل الإسبراي المثبت، الذي يرش على اللوحة النهائية لمنع تشتت الفحم.

- المناديل الورقية أو القماش: لدمج التدرجات اللونية وإنشاء تأثيرات ناعمة.


تقنيات الرسم بالفحم: بين التظليل والتفاصيل
تقنيات الرسم بالفحم


 .4تقنيات الرسم بالفحم: بين التظليل والتفاصيل

يتميز الرسم بالفحم باحتياجه إلى تقنيات خاصة تختلف عن استخدام الأقلام العادية:

- الإمساك بالقلم:

 يُمسك قلم الفحم بطريقة تشبه الإمساك بالريشة، باستخدام الإبهام والسبابة والوسطى، مع إبعاد الأصابع الأخرى عن الورق لتجنب اتساخ اللوحة. يجب أن يكون ميلان القلم أقل من ميلان القلم العادي.

- التظليل الدائري:

 تُرسم خطوط دائرية متقاربة مع تغيير شدة الضغط لإنشاء تدرجات لونية. يمكن استخدام الأصابع أو المناديل لدمج الظلال.

- الخطوط الأولية والتفاصيل:

 يبدأ الفنان برسم الخطوط الأساسية والظلال الخفيفة، ثم يضيف التفاصيل تدريجياً من الخارج إلى الداخل، مع ترك مساحات بيضاء لتعكس الإضاءة.

- تقنية الفرك "الانتشار":

 تُستخدم لإنشاء تأثيرات ضبابية أو خلفيات موحدة عن طريق فرك الفحم على الورق ثم دمجه بأداة ناعمة.


 .5التحديات والحلول في الرسم بالفحم

يواجه الفنانون عدة تحديات عند استخدام الفحم، مثل:

- سهولة الاتساخ: بسبب طبيعة الفحم المسحوقة، قد تنتقل الجزيئات إلى مناطق غير مرغوبة. للحل، يُنصح باستخدام ورق تحت اليد أو قطعة قماش لحماية اللوحة.

- صعوبة التثبيت: بدون استخدام الإسبراي المثبت، قد تتلف اللوحة بسهولة. يُفضل رش المثبت من مسافة 30 سم بشكل أفقي.

- التحكم في التدرجات: يتطلب إتقان التظليل تدريباً مستمراً على تغيير زاوية القلم وشدة الضغط.


 .6أمثلة لفنانين متميزين في الرسم بالفحم

- الياس عبد اللطيف:

 فنان سوري شاب تخصص في الرسم بالفحم والحرق على الخشب، وتميز بأعماله الواقعية التي تعكس الطبيعة والحالات الإنسانية. يُعد مثالاً على كيفية دمج التقنيات التقليدية مع اللمسات المعاصرة. 

- ريهام السيد:

: طالبة مصرية درست الديكور في إيطاليا، وطورت موهبتها في رسم البورتريهات بالفحم عبر التعلم الذاتي عبر الإنترنت. تُظهر أعمالها قدرة الفحم على نقل التفاصيل الدقيقة للوجوه.

- ناصر رضا:

 طالب زراعة مصري تحول إلى فن الرسم بالفحم رغم عدم دراسته الفنون الجميلة. استخدم الكورسات عبر الإنترنت لإتقان التقنيات، مما يؤكد أن الموهبة  تغلبت على العقبات الأكاديمية.


 .7الفحم في الفن المعاصر: بين التقليدية والحداثة

على الرغم من ارتباط الفحم بالفن الكلاسيكي، إلا أنه وجد مكاناً في الفن التجريدي والمعاصر. فنانون مثل جاكسون بولوك استخدموا تقنيات مثل الرسم بالتنقيط مع الفحم لخلق أعمال تعبر عن العفوية والحركة. كما دمج بعض الفنانين الفحم مع مواد أخرى مثل الألوان الزيتية أو الباستيل لإضافة عمقٍ بصري.


 .8نصائح للمبتدئين في الرسم بالفحم

 أ. اختيار الأدوات المناسبة:

 ابدأ بالفحم النباتي لمرونته، واستخدم ورقًا سميكًا ذا سطح خشن.

ب. التدرب على التدرجات:

 ارسم مربعات بتدرجات مختلفة من الأسود إلى الرمادي لتحسين التحكم في شدة الضغط.

جـ. استخدام الإضاءة الجيدة:

 ضع مصدر ضوء جانبي لتسليط الظلال الطبيعية على اللوحة.

د. التجريب:

 لا تخف من تجربة تقنيات جديدة مثل الدمج بالمناديل أو استخدام الممحاة العجينة.

د. الصبر:

 الإتقان يتطلب وقتًا، فالكثير من الفنانين المشهورين بدأوا برسومات بسيطة وتدرجوا إلى الأعمال المعقدة.

 


الخاتمة


الرسم بالفحم ليس مجرد تقنية فنية، بل هو جسر بين الماضي والحاضر، بين البساطة والتعقيد. من الرسومات البدائية على جدران الكهوف إلى اللوحات المعاصرة في صالات العرض كلها بلون واحد، أثبت الفحم قدرته على التكيف مع التطورات الفنية دون أن يفقد سحره. سواء كنت فناناً محترفاً أو هاوياً، فإن إتقان هذه التقنية يفتح أبواباً لا حدود لها للتعبير الإبداعي.